Sunday, September 16, 2007

رؤية في أدب نزار قباني


بقلم احمد صبح

هو نزار توفيق قباني ولد في حي مئذنة الشحم أحد أحياء دمشق القديمة في 21 مارس عام 1923 لاسرة عريقة من اسر الشام حصل على البكالوريا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق ، ثم التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرّج فيها عام 1945 عمل فور تخرجه بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية السورية ، وتنقل في سفاراتها بين مدن عديدة ، وبعد إتمام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1959 ، تم تعيينه سكرتيراً ثانياً للجمهورية المتحدة في سفارتها بالصين وظل نزار متمسكاً بعمله الدبلوماسي حتى استقال منه عام 1966 .

بدأ نزار يكتب الشعر وعمره 16 سنة ، وأصدر أول دواوينه " قالت لي السمراء " عام 1944 ، وطبعه على نفقته الخاصة ، له عدد كبير من دواوين الشعر ، تصل إلى 35 ديواناً ، كتبها على مدار ما يزيد على نصف قرن أهمها " طفولة نهد " ، " سامبا " ، " أنت لي " لنزار عدد كبير من الكتب النثرية أهمها : " قصتي مع الشعر ، ما هو الشعر ، 100 رسالة حب " أسس دار نشر لأعماله في بيروت تحمل اسم " منشورات نزار قباني ".

مر نزار قباني خلال حياته بكثير من التغيرات والصراعات التي أثرت عليه وعلى حالاته الشعرية وكان لها اكبر الأثر في شعر و أدب نزار قباني مثل :
- وفاة شقيقته الصغرى وصال من جراء مرض القلب
- وفاة أمه التي كان يعشقها وكان يعتبرها كل النساء
- وفاة ابنه توفيق القباني وهو لم يتجاوز السابعة عشر وكان طالبا في كلية طب القاهرة وقد رثاه بقصيدة من أروع القصائد التي كتبها نزار قباني وهيا قصيدة " إلي الأمير الدمشقي توفيق القباني " ومنها :
مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات..ومقصوصة ، كجناح أبيك، هي المفرداتفكيف يغني المغني؟وقد ملأ الدمع كل الدواة..وماذا سأكتب يا بني؟وموتك ألغى جميع اللغات
- نكسة 1967 .. أحدثت شرخاً في نفسه ، وكانت حداً فاصلاً في حياته ، جعله يخرج من دور العاشق المثالي إلي دور الوطني الثائر المدافع عن تراب وطنه و كتب ونظم الكثير من القصائد التي تحمل الكثير من الألم و المعناه وكان اشهرها " هوامش على دفتر النكسة " التي نذكر منها
يا وطني الحزين
حوّلتَني بلحظةٍ
من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين
لشاعرٍ يكتبُ بالسكين

- وفاة زوجته ابلقيس الراوي في حادث انفجار السفارة العراقية في بيروت عام 1982 .

و قد كان لكل هذه العوامل أثرها الواضح في أدب نزار قباني حيث نجده في قصائده الأولى متأثرا بطبيعة دمشق الساحرة الحالمة التي صنعت منه العاشق المثالي مرهف الإحساس طاغي العاطفة محترما كل ما يتعلق بالمرأة مقدسا لها في شعره حيث يجعلها لغته الأولى وحبه الأول ورحمه الأول ويعد نزار قباني من الشعراء القليلين اللذين تلبسوا روح المرأة وإحساسها في كثير من أعماله الأدبية مثل قصيدة " رسالة إلي رجل" و" متى ستفهم " التي نذكر منها :
متى تفهمْ ؟
متى يا سيّدي تفهمْ ؟
بأنّي لستُ واحدةً كغيري من صديقاتكْ
ولا فتحاً نسائيّاً يُضافُ إلى فتوحاتكْ
ولا رقماً من الأرقامِ يعبرُ في سجلاّتكْ ؟

ثم نجده بعد ذاك الزلزال الذي هز الأمة العربية بأسرها وهو زلزال عام 1967 وقد لبس عباءة الفارس المقدام و أعلن العصيان على كل رموز الفساد وكل رموز استغلال الحكم في العالم العربي وقتها وقد فتح نيران أقلامه على من كانوا أسباب الهزيمة المرة وعتابه على كل العرب الذين خانوا العروبة وباعوا شرفهم من اجل المال والغواني والقصور وكان اشهر هذه القصائد هي قصيدة " هوامش على دفتر النكسة " التي أثارت جدلا كبيرا في أوساط المثقفين وقتها وقد تسببت بمنع إذاعة أغاني نزار قباني و أشعاره بالإذاعة المصرية وقد كان نزار قباني من أجرا الشعراء الذي لم يتملق أحد مطلقا وقد كان هذا سبب الكثير من الصراعات التي واجهها في حياته مثل صراع قصيدة " خبز وحشيش وقمر " تلك القصيدة التي أغضبت رجال الدين في سوريا وطالبو بطرده من السلك الدبلوماسي وانتقل الأمر ألي البرلمان السوري وقد كان أول شاعر يناقش شعره في البرلمان ولم تكن تلك القصيدة هي الوحيدة التي أحدثت دوى في الوسط الثقافي من شعر نزار قباني بل وقد صدر في عام 1990 قرار من وزارة التربية والتعليم المصرية بحذف قصيدة " عند الجدار " من منهج الدراسة بالصف الأول الإعدادي لما تتضمنه من معاني غير لائقة مما أثار غضب الكثير من الشعراء من أشهرهم محمد إبراهيم أبو سنة

قضى نزار قباني أعوامه الأخيرة في لندن يكتب الشعر جالسا على مقهى الحياة يطالع حياته التي مرت بمراحل عديدة منها مرحلة العاشق المتيم ذلك الفارس الإغريقي الذي يغازل الفتيات من شرفات القصور ملقيا إليهم شعره بدلا من الورود بل انه أعذب من الورود

ومرحلة الثوري المناضل الذي دافع عن بلاده بكل ما أوتى من قوه حتى استحال دمه حبرا يكتب به هموم وطنه وهموم إخوانه من المواطنين

وبين مرحلة الدرويش الذي يرمى في وجهنا ما نعانيه ونخفيه حتى من أنفسنا لأننا نخشى المواجهة ولكن نزار كان يلقى في ضمائرنا شعره نارا تلهب الفؤاد وتقويه وتجعل من أنفسنا جبالا من العزة والشموخ آلتي نحيا بها كأمة عربية وكان من اكثر القصائد تأثيرا قصائد " المهرولون " , " سامحينا " و "القصيدة الدمشقية " التي اعتبرها شخصيا أروع ما كتب نزار ويقول فيها :
هذي دمشقُ.. وهذي الكأسُ والـرّاح إنّي أحبُّ ... وبعضُ الحـبِّ ذبّـاحُ
أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتـمُ جسـدي لسـالَ منـهُ عنـاقيـدٌ .. وتفّـاحُ
ولـو فتحتُـم شرايينـي بِمديتكـم سَمعتمُ فِي دمي أصـواتَ من راحـوا
وظل نزار قباني يهتف من مكانه في لندن بالحب والثورة والغضب حتى وافته المنية في 30/4/1998 عن عمر يناهز 75 عاما قضى منهم 50 عاما بين الفن والحب والغضب



No comments: